سنن العمرة
تُعد العمرة من العبادات العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وهي شعيرة من شعائر الإسلام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، وجعلها من أعظم القربات وأجلِّ الطاعات. وعلى الرغم من أن العمرة ليست فرضاً كالحج إلا أنها تُعد من السنن المؤكدة عند جمهور العلماء، ويترتب على أدائها أجر عظيم وتكفير للذنوب، كما جاء في الحديث الصحيح: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما” [رواه البخاري ومسلم]. ولكي تكون العمرة على أكمل وجه، يجب على المسلم أن يحرص على أداء جميع واجباتها، ولا يغفل عن سننها وآدابها التي جاء بها الشرع، إذ أن اتباع السنة يزيد من ثواب العبادة ويكمل بها العمل.
هذا المقال يستعرض بتفصيلٍ شامل وموسع جميع سنن العمرة كما وردت في المصادر الإسلامية الموثوقة، مع بيان أدلتها وفضلها، لتكون مرجعاً علمياً لمن أراد أداء هذه الشعيرة على أكمل وجه.
تعريف السنن في العمرة
السنن في العمرة هي الأعمال التي ورد عن النبي ﷺ أنه فعلها أو أرشد إليها دون أن يُوجبها، وبالتالي فإن من أتى بها أُثيب، ومن تركها فلا إثم عليه، ولكن فاته خير كثير. وتكمن أهمية هذه السنن في أنها ترفع من درجة العبد عند ربه، وتضفي على العمرة طابع الاقتداء الكامل بسنة النبي ﷺ، وهذا هو الأصل في التعبد: الاقتداء التام بالمصطفى ﷺ.
الفرق بين أركان العمرة وواجباتها وسننها
لفهم سنن العمرة لا بد من التمييز بينها وبين الأركان والواجبات، وذلك وفق الجدول التالي:
| التصنيف | التعريف | الحكم الشرعي | أثر الترك |
|---|---|---|---|
| الأركان | ما لا تصح العمرة إلا به | واجب بالإجماع | تبطل العمرة بتركه |
| الواجبات | ما يجب فعله ولكن تصح العمرة بدونه مع الفدية | واجب شرعي | تجب الفدية عند تركه |
| السنن | ما فعله النبي ﷺ دون إلزام | مستحب | لا إثم، ولكن يفوت الأجر والتكميل |
أهم سنن العمرة بالتفصيل
1. الاغتسال قبل الإحرام
من سنن العمرة التي وردت عن النبي ﷺ الاغتسال قبل الإحرام، وهو ما فعله ﷺ حين أراد الإحرام للعمرة. فقد روى البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: “تجرد رسول الله ﷺ لإهلاله واغتسل”.
-
الحكمة من الاغتسال: هو التطهر قبل الدخول في عبادة عظيمة، كما هو الحال في الصلاة، وهو تعظيم للنسك واستعداد للدخول في طاعة خاصة لله.
2. التطيب قبل الإحرام (للرجال فقط)
يستحب للمعتمر أن يتطيب في جسده دون ثيابه قبل أن يحرم، كما ثبت عن النبي ﷺ في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أُطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت”.
-
تنبيه: لا يجوز التطيب بعد الإحرام، بل يكون قبل النية والإحرام.
3. الصلاة قبل الإحرام
يُسن للمعتمر أن يصلي ركعتين قبل نية الإحرام، كما ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وإن لم يرد حديث صريح مرفوع للنبي ﷺ في ذلك، إلا أن العلماء استحبوا ذلك على سبيل الاقتداء بأفعال الصحابة.
4. الإحرام من الميقات المخصص
من السنة أن يُحرم المعتمر من الميقات الذي حدده النبي ﷺ لأهل بلده، أو من مر به، وألا يتجاوزه إلا محرماً، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنه: “وقّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة…” [رواه البخاري ومسلم].
5. التلبية بعد الإحرام
من سنن العمرة العظيمة الجهر بالتلبية بعد نية الإحرام، وهو شعار الإحرام، وكان النبي ﷺ يرفع بها صوته ويقول: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.
-
متى تبدأ التلبية؟ تبدأ بعد الإحرام وتستمر حتى دخول الحرم، وهناك قول بقطعها عند بدء الطواف.
6. رفع الصوت بالتلبية (للرجال)
كان الصحابة يرفعون أصواتهم بالتلبية، كما في حديث السائب بن خلاد أن النبي ﷺ قال: “أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال” [رواه أحمد].
7. الدخول إلى مكة من أعلاها
كان من هديه ﷺ أن يدخل مكة من ثنية كَداء (من أعلاها) ويخرج من ثنية كُدى (من أسفلها)، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وهذا من الآداب والسُّنن التي يُستحب مراعاتها.
8. الاضطباع أثناء الطواف (للرجال فقط)
الاضطباع هو أن يكشف المعتمر كتفه الأيمن، ويجعل طرف الرداء تحت إبطه الأيمن والطرف الآخر فوق كتفه الأيسر، ويكون في الطواف فقط. فعله النبي ﷺ في طواف القدوم.
9. الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى (للرجال)
الرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الجري، وفعله النبي ﷺ في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، وهو سنة للرجال دون النساء.
10. استلام الحجر الأسود وتقبيله
كان من هدي النبي ﷺ أن يستلم الحجر الأسود في كل شوط، فإن لم يستطع قبّله، فإن لم يستطع أشار إليه. جاء في الحديث: “استلم الركن –يعني الحجر الأسود– ثم مشى ثلاثاً، ورمل ثلاثاً” [رواه مسلم].
11. استلام الركن اليماني
وهو الركن الذي يسبق الحجر الأسود، وكان النبي ﷺ يستلمه في كل شوط دون تقبيل. قال ابن عمر: “ما تركت استلام الركنين في شدة ولا رخاء” [رواه البخاري].
12. الدعاء بين الركنين
يستحب الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود، وكان من دعاء النبي ﷺ: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”.
13. الصلاة بعد الطواف خلف مقام إبراهيم
قال الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]. فكان النبي ﷺ يصلي ركعتين بعد الطواف خلف المقام إن تيسر، ويقرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص.
14. الشرب من ماء زمزم والدعاء عنده
كان من هدي النبي ﷺ أن يشرب من ماء زمزم، ويقول: “ماء زمزم لما شُرب له”، ويُستحب الدعاء عنده بما شاء المسلم من خيري الدنيا والآخرة.
15. الصعود على الصفا والمروة وقراءة الآية
عند الصعود على الصفا والمروة، يُسن قراءة قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} ثم التوجه للقبلة والتكبير ثلاثاً والدعاء.
16. الدعاء عند كل شوط من أشواط السعي
من سنة السعي أن يدعو المسلم عند الصفا والمروة، ويُكرر التكبير والدعاء ثلاث مرات، كما فعل النبي ﷺ.
17. السعي بخفة في مكان العلمين الأخضرين (للرجال)
يُسن للرجال الإسراع بين العلمين الأخضرين، وهو ما يعرف بـ “الهرولة”، وقد فعله النبي ﷺ.
18. التقصير الشامل لجميع الرأس (للرجال)
كان من سنة النبي ﷺ أن يحلق أو يقصر من جميع أنحاء الرأس، لا من جهة واحدة فقط. والتقصير أفضل لمن أراد أن يعتمر مرة أخرى في المستقبل القريب.
19. الدعاء بعد الفراغ من العمرة
عند الانتهاء من العمرة يُستحب الإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار، فإنها ساعة إجابة، وقد عاد العبد من عبادة عظيمة.
فضل المحافظة على سنن العمرة
المحافظة على سنن العمرة ليست مسألة شكلية أو تفصيلية، بل لها أثر بالغ في كمال العبادة وعلوّ أجرها، وقد أشار علماء الإسلام إلى أن العبادات التي يُؤتى بها على وفق السنة تكون أكثر قبولًا وأعظم ثوابًا. كما أن اتباع سنة النبي ﷺ في العبادات يُعد من أعظم وسائل محبته ونيل شفاعته، قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
الخاتمة: عظمة الاقتداء بالسنة في العمرة
إن العمرة ليست مجرد أداء شعائر فحسب، بل هي عبادة قلبية وجسدية تتكامل فيها النية والإخلاص والعمل الظاهر والباطن. وكلما كان المؤمن حريصًا على اتباع سنة النبي ﷺ في كل صغيرة وكبيرة، كانت عمرته أقرب للقبول، وأعظم أثرًا في تطهير النفس وتجديد العهد مع الله.
المراجع:
-
صحيح البخاري
-
صحيح مسلم
